ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان موقفًا صادفني أثناء عودتي .. حيث استقلت حافلة وجلست بجوار النافذة
كان الهدوء يسود المكان
وفجأة يظهر أمامى شخص يأتى من طرقة الحافلة ماشيا بيديه فانتفضت فزعًا
لكنه لاحظ فزعى بهدوء وجلس بطرف المقعد المجاور لى
لاحظت عجزه وذلك القميص المتآكل ويداه الخشنتان وذلك المظهر المنهك إذ كان ذو قدمٍ واحدة والأخرى كأنها لم تكن موجودة من قصرها
ولا زلت خائفة .. لا أعلم لِم!
وإذا به يبدأ بترتيل القرآن ، لكم كان مؤثرا ترتيله وكم كان رائعا صوته الخاشع ..
إطمأن قلبى وتبدد خوفي
فأنصت له وأنا ناظرة من النافذة أغالب عبراتٍ ترقرقت في عيناى ، ماذا بى؟ -أتساءل لائمة- .. لماذا خفت من ذلك الشاب ؟ .. ألمظهره فقط؟!
مما زاد خجلي علمى أنه لاحظ ذلك الخوف ، وكيف لي أن أعتذر!
صرت أتأمل الرضا الذى به .. تأملت فخره وهو يرتل كلام الله الذى استقر فى قلبه قبل أن يحفظه لسانه.. تأملت عدم خجله من مظهره أو تذمره
وكأني أراه بعينٍ جديدة ؛ أراه جميلاً في ثوبه ، قويًا في يديه ، صبورًا في صمته ، مطيعًا في ذكره ، وهو لا زال يرتل بصوت أسكت الجميع ليسمعه .
بمرور الوقت إمتلأت الحافلة بعد أن ركبت بعض الفتيات .. وإذا بفتاة واقفة فلا مكان لها
يا له من موقف حين يكون هو الشخص الوحيد دونا عن جميع الرجال الذى يقف بقدمٍ واحدة ليجلسها مكانه .. متشبثا بذراعه كى لا يفقد توازنه
والفتاة تجلس وأسمعها تهمس لصديقتها : " أنا خائفة " ، مؤكد سمعها مثلي لكنه ما زال يرتل القرآن راضيًا سعيدًا .. تمنيت لو أصرخ بها وأقول ذلك الرجل أفضل منى ومنكِ فلم تخافين منه؟
كان مبتسمًا بوجه من يكلمه أو يأتيه رغم كثرة نظرات الإشمئزاز ممن حوله ولا شئ يعطله عن ذكر الله وترتيل آياته ، ولم تتعدى عيناه على أحدٍ ؛ فقد كان ناظرا بالأرض حياءًا غاضًا بصره
ها قد فرغ مقعدٌ له كى يجلس وإذا به يدعو آخر كان واقفا أن يجلس معه .. لكنه رفض الجلوس بجواره
أحسست أن ذلك الشاب حقًا لا يعامل أحدًا سوى الله
ولكم تضاءلت أمام نفسى .. فمن أنا كى أخاف منه .. أيقنت أنه أفضل منى عند الله
فقد أثار عجبى سعيه هكذا .. رغم عجزه فهو يقضى حاجاته بنفسه منطلقا عملا وعبادة لا تمنعه آفته ولا تخذله
تأملت كيف صعوده ونزوله .. كيف سيره فى الطريق بيديه .. كيف هو قنوع سعيد يحمد الله
عدت منزلى لا أفعل شيئا سوى الدعاء له ، وتلومنى عَبَراتى حين أتذكر تبرمى على أى شئ مقارنة برضاه بكل هذا الإبتلاء
وذممت إهتمام الناس بالمظاهر .. ذممت تلك ردود الفعل وتلك المعاملة
..
تساءلت من هذا الرجل؟ من صاحب الأخلاق هذا؟ .. هل هو حقًا بيننا ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
إنتهت
هذه القصة حدثت بالفعل وليست من الخيال